ما عدد آيات القرآن الكريم ؟
لعل الكثير من المسلمين لا يعرفون ما عدد آيات القرآن رغم أن أغلبهم يحفظ عددا كبيرا من آياته , ولا يخلو بيت أي واحد منهم من نسخة أو اكثر من القرآن . والسر في ذلك أن هذه المسألة هي مما يتجاهله الباحثون والدارسون لكتاب الله وإن مروا عليه مروا سريعا , والسؤال هنا باختصار لماذا ؟ هل لأن هذه المسألة ثانوية لا أهمية لها كما يزعم البعض , أم أن وراء هذا التجاهل أسبابا أخرى ؟ حتى نتمكن من الإجابة على هذا التساؤل فلا بد من التوقف عند أقوال العلماء القدماء في هذه المسألة .. فماذا قالوا :
الروايات في عدد آيات القرآن
جاء في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ما نصه : ( قال الداني : اجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية, ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك , فمنهم من لم يزد , ومنهم من قال ومائتا آية وأربع آيات , وقيل وأربع عشرة , وقيل وتسع عشرة , وقيل وخمس وعشرون , وقيل وست وثلاثون ... قال أبو عبدالله الموصلي : اختلف في عدد الآي أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة .. ( الإتقان 1 / 147) .
نفهم من كلام السيوطي أن عدد آيات القرآن : 6000 أو 6204 أو 6214 أو 6219 أو 6225 أو 6236 .
وهذا يعني أن لدينا ستة أعداد لعدد آيات القرآن وليس عددا واحدا . وأظن أنه قد فهم السبب في مرور الدارسين لكتاب الله على هذه المسألة مرورا سريعا أقرب إلى التجاهل , فلديهم هم أيضا نفس التساؤل الذي لدينا ولما كانوا لا يملكون له جوابا معقولا , فمن الخير عدم التوقف عندها إلا اضطرارا , ذلك أن هذه الرواية التي نقلناها عن السيوطي بما تثيره من القلق والحيرة تقودنا إلى سؤال آخر غير مريح هو : أي هذه الأعداد هو الصحيح ؟ هل يمكن أن تكون كلها صحيحة ؟
إذا افترضنا أنها كلها صحيحة , فهذا يعني أن لدينا بهذا الاعتبار ستة مصاحف مختلفة في عدد الآيات , ومن حقنا أن نأخذ بأي منها دون أن نلزم أنفسنا بواحد من بينها .. ؟! ولكن كيف لنا أن نتصور أن القرآن قد نزل بهذه الأعداد كلها ؟ هل ذكر جبريل عليه السلام للرسول (ص) مثلا أن عدد آيات سورة البقرة 285 آية أو 286 آية أو 287 آية , وأن له حرية الاختيار بين هذه الأعداد , يختار منها ما يشاء ؟ وإذا وقع مثل هذا افتراضا في عدد من السور , فكيف استطاع المسلمون أن يحفظوا الأعداد المختلفة لكل سورة ؟ هل ورد عن الرسول (ص) شيئا يدل على ذلك ؟ وحينما كتبت المصاحف زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه , هل وضع كتبة القرآن إشارات ما تدل على هذا التباين في الأعداد ؟
وإذا افترضنا أن واحدا من بين هذه الأعداد هو الصحيح- وهو ما يتفق مع المنطق والمعقول - فما هو ؟ وإذا توصلنا إلى معرفة هذا العدد اليوم بطريقة ما , فهل يصبح ملزما لنا ؟ وماذا بشأن الأعداد الأخرى ؟ هل في وسعنا كمسلمين أن نجتمع على عدد واحد ؟ وأن نكرر ما فعله عثمان حينما جمع الناس على مصحف واحد ؟ أم أنه لا يحق لنا ذلك , وليس أمامنا إلا أن ننتظر حتى يخرج القدماء الصالحون من قبورهم ويحلوا لنا هذا الاختلاف ؟ أيهما خير لنا أن نتفق على عدد واحد أم نبقى على جميع هذه الأعداد احتراما لأصحابها , ولما تسمح به لنا من حرية التنقل بينها ؟
سبب الاختلاف في العدد
وأما سبب هذا الاختلاف فيكفينا ما جاء في مناهل العرفان للزرقانــي ما نصه : ( أن النبي كان يقف على رءوس الآي تعليما لأصحابه أنها رءوس آي , حتى إذا علموا ذلك وصل النبي الآية بما بعدها طلبا لتمام المعنى , فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي (ص) ليس فاصلة فيصلها بما بعدها معتبرا أن الجميع آية واحدة , والبعض يعتبرها آية مستقلة فلا يصلها بما بعدها . وقد علمت أن الخطب في ذلك سهل لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص .
( الزرقاني : مناهل العرفان 1/344 )
نفهم من هذا الكلام أن الاختلاف في العدد جاء نتيجة دمج آيتين في آية أو فصل آية إلى آيتين , ولكن هناك حالة ثالثة لا تقبل أيا من الحالتين " الدمج أو الفصل " .. هي الحالة الصحيحة التي لم تتعرض لا للدمج ولا للفصل .. فما هي ؟
والملاحظة المهمة هنا هي ما يمكن أن نستنتجه من أن تحديد نهاية بعض الآيات قد بني على الظنون لدى البعض مما يجعل هذا التحديد موضع شك . ويقودنا هذا إلى استنتاج آخر وهو : أن الأعداد السابق ذكرها بنيت هي الأخرى على الاجتهاد وظنون البعض , وبالتالي فلا يمكن أن تكون كلها صحيحة بأي حال من الأحوال , وأن هناك حالة واحدة هي الصحيحة .
شبهات حول القرآن
لا يمكن أن نزعم أن أمر هذا الاختلاف في عدد آيات القرآن أمر سهل كما وصفه الزرقاني , بحجة أنه لا يترتب عليه زيادة ولا نقص في كتاب الله , إن معنى ذلك أننا نسمح لأنفسنا بالتدخل في تحديد الآية على نحو مختلف عن الصورة التي نزلت عليها من خلال وصلها بآية أخرى أو فصل جزء من آية واعتباره آية مستقلة , وما يترتب على ذلك من زيادة أو نقص في عدد آيات السورة الواحدة . وقد يقول قائل في مواجهة هذا الرأي : إذن نكتب السورة كآية واحدة , ولن يترتب على ذلك زيادة ولا نقص ..
إن مثل هذا الفهم لدى الزرقاني هو ما نجده عند أغلب العلماء اليوم , فالقرآن هو هو سواء أكان عدد آياته كذا أو كذا , وسواء أكان عدد آيات هذه السورة كذا أو كذا .. بعبارة أخرى واضحة : ليس مهما أن يكون عدد آيات سورة الفاتحة مثلا ست آيات أو سبع أو غير ذلك , المهم أن عدد كلماتها 29 كلمة إذا اعتبرت البسملة آية منها ..
أي كلام هذا ؟!
إجماع المضطر
لقد اتفق الجميع على التضحية بالعدد الصحيح لعدد آيات القرآن واعتباره مسألة سهلة , فسواء أكان عدد آي القرآن 6236 أو غير ذلك فالقرآن هو القرآن لا زيادة فيه ولا نقصان , ذلك أن عدد كلماته لن يتأثر باختلاف ما ذكر من الأعداد ..
لماذا هذا الإجماع ؟ هل يملك أصحاب هذا الرأي من الأدلة ما يقنعون به غيرهم ؟ أم أنه إجماع المضطر الذي لا حيلة له ؟
لقد ورث المتاخرون زمنا هذا الاختلاف – وهو واحد من كثير – عن القدماء فلم يزيدوا عليه شيئا أو ينقصوا منه شيئا , أو يحاولوا تجاوزه وفضلوا التوقف عنده ..فلما اتخذ خصوم القرآن من هذا الاختلاف موضوعا لإثارة الشبهات حول القرآن واتهامه بالزيادة والنقصان وضياع بعض أجزائه بدليل هذا الاختلاف , مستفيدين مما تمتلئ به كتبنا الدينية من روايات عجيبة غريبة , اضطر السادة العلماء إلى اتخاذ هذا الموقف المتعصب للقرآن – المحافظة على الأعداد المختلفة دون الأخذ بواحد منها - يحسبون بذلك انهم يغلقون المنفذ الذي عبر منه المشككون في جمع القرآن .. فما حسبوه ثغرة ليس كذلك , بل وذهب البعض إلى القول أن هذا الاختلاف في الأعداد قد يحتمل تعددا في اوجه الإعجاز شأنه شأن الاختلاف في القراءات .. وهو كلام يحتاج إلى أدلة كافية .
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا الموقف هو ما يعرف بتعدد القراءات والتي يرافقها اختلاف في عدد آيات بعض سور القرآن بين قراءة وأخرى , وفي هذه الحال فلا مفر من القبول بها كلها .. لما قد يترتب على اعتبار عدد بعينه هو الصحيح من وضع قراءة ما موضع الشك , ذلك أن المفهوم السائد هو الربط التام بين وجه القراءة وعدد الآيات . وفي اعتقادي أن الأمر ليس كذلك , فليس هناك ارتباط بين القراءْة وعدد آي القرآن , بعبارة أخرى : إذا اعتبرنا أن العدد الصحيح لعدد آي القرآن هو 6236 آية , فلن يؤدي ذلك إلى ضياع إحدى القراءات أو الإخلال بها , لأن القراءة ليست مرتبطة بالعدد , وبالتالي فلا مبرر للتمسك بعدد بعينه لارتباطه بقراءة ما .. ولعله من الواضح أن الفصل بين القراءة والعدد يحل هذه المشكلة ويؤدي إلى عدد واحد ويحافظ على القراءات ..
وإذا عدنا لما يقوله العلماء الأفاضل في أنه لا يترتب على الإختلاف في عدد آي القرآن زيادة ولا نقصان في كتاب الله , فما المانع أن يجتمع المسلمون على مصحف واحد وعدد واحد لا ستة أعداد ؟ ما دامت لدينا الأدلة الوفيرة على أن هذا العدد هو العدد الصحيح ؟ وبالتالي نحسم الخلاف حول هذه المسألة حسما نهائيا , أليس ذلك أفضل من أن نورثها للأجيال القادمة ؟ ما الذي نخشاه ؟ ألسنا نؤمن أن الله قد تعهد القرآن بجمعه وبيانه وحفظه ؟
وتظل الأسئلة المطروحة
كيف يمكننا أن نقنع الآخرين بشيء نحن غير متفقين عليه ؟ أليس الأولى أن نقتنع به أولا ونتفق عليه قبل أن نحاول نقله إلى غيرنا ؟ لماذا نفترض أن ما يمكن أن يكون مقبولا لدينا يجب أن يكون مقبولا لدى الآخرين ؟ إننا نقدم القرآن للآخرين على انه خاتم الكتب السماوية المنزل على خاتم الأنبياء وانه للناس كافة ؟ إذن يجب أن نعرف كيف يفكر هؤلاء وما الذي قد يكون مقنعا لهم وما الذي قد لا يكون , يجب أن نحترم عقولهم . إن ما نراه هينا سهلا لدينا أو لدى بعضنا قد يكون مأخذا كبيرا عند غيرنا . أليست الشبهات التي أثارها المفترون حول جمع القرآن واتهامه بالزيادة والنقصان من صنعنا نحن ؟ من صنعها إذن ؟ ألم نقدم القرآن للآخرين كتابا مختلف في عدد سوره وعدد آياته ومسائل أخرى كثيرة لا حصر لها ؟ وأغلبها ليست اكثر من روايات وأقوال لا نعلم كيف جاءت ومن أصحابها ؟! كيف يمكننا أن نرد على سؤال الآخر عن عدد آيات القرآن مثلا ؟ هل نقول للسائل لقد اختلف العلماء على ستة أقوال فاختر منها ما تشاء ؟
وإذا سأل عن العدد الصحيح من بينها فهل سنقول له كلها صحيحة ؟ هل ستبدو إجاباتنا مقنعة له ؟ وكيف نشرح له تعهد الله بحفظ القرآن من أي زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير ؟ أليست تلك الاختلافات شكلا من أشكال التقديم والتأخير ؟
المعضلة والحل
من الواضح أن عدد آيات القرآن معضلة حقيقية , ورثها المتاخرون عن القدماء وحينما وجدوا أنها تحولت إلى منفذ للتشكيك في جمع القرآن واتهامه بالزيادة والنقصان عمدوا إلى تجاهلها , ومن هنا نفهم لماذا لا يعرف أغلب المسلمين عدد آيات القرآن وما يرتبط بهذه المسألة من إشكاليات , إلا أن هذا الوضع اخذ بالتغير مع تقدم وسائل المعرفة والاتصالات وفي مقدمتها الإنترنت والتي أصبحت تتيح للناس معرفة المخبوء والذي يتم تجاهله لسبب أو لآخر . فهذه المسألة مثلا تحتل موقعا هاما في شبهات المفترين على القرآن ولم يعد هناك ما يمنع من الاطلاع على هذه الشبهات والتي تواجه جيل اليوم من الشباب المسلم بأسئلة كثيرة تطرح على مواقع الإنترنت فلا يجد لها جوابا , ولا ندري مدى تأثر البعض بها .وكما ذكرنا سابقا فإن الإجابة الوحيدة التي قد نعثر عليها في مواجهة هذه الشبهات القول : أن الخطب في ذلك سهل لأنه لا يترتب عليه زيادة ولا نقص في كتاب الله .. إجابة قد تكون مقنعة لصاحبها فقط .
ما الحل ؟
إن من غير المعقول أن يكون عدد آيات القرآن كذا أو كذا , كما أنه من غير المعقول أن يكون عدد سور القرآن 114 سورة أو 113 عند من يعتبر أن سورتي الأنفال وبراءة سورة واحدة , وأن تظل هذه الرواية وأمثالها حجة في أيدي المشككين في القرآن , وفي أيدي بعض المسلمين في مواجهة ما لا يروق لهم , بل لا بد أن يكون هناك عدد واحد هو الصحيح وهو العدد 114 وأعتقد أن العلماء قد تجاوزوا هذه المشكلة . وكذلك نقول في عدد آي القرآن , لا بد أن يكون هناك عدد واحد هو الصحيح من بين تلك الأعداد وهذا العدد هو : 6236 وهو العدد المعتبر في المصحف المتداول بين أيدينا اليوم ( مصحف المدينة النبوية الذي تشرف على طباعته مطابع الملك فهد – رحمه الله - السعودية ) وهو برواية حفص عن عاصم , وأما باقي الأعداد فليست أكثر من اجتهادات خاطئة ولأصحابها أجرهم عليها . ولا علاقة للعدد بالقراءة , فتعدد القراءات يبقى كما هو مع اعتبار العدد الواحد ..
عدد آي القرآن 6236 آية لا غير
ولعل السؤال الآن : ما الدليل على أن عدد آيات القرآن على النحو المعتبر في مصحف المدينة النبوية ( 6236 ) هو العدد الصحيح ؟
يكمن هذا الدليل في عدد من الأنظمة الرياضية التي تؤكد أن ترتيب سور القرآن وآياته هو ترتيب إلهي وما كان إلا بالوحي وبأوامر إلهية , وتكشف هذه الأنظمة عن الحقيقة التالية : عدد آيات القرآن 6236 آية , وعدد سوره 114 سورة , كل سورة فيه قد جاءت في موقع محدد لا تكون إلا فيه ومن عدد من الآيات لا تكون إلا منه .
ويأتي هذا الدليل
امتدادا لإعجاز القرآن المعجزة الخالدة المتجددة بتجدد الأجيال والعصور .
تصديقا لقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ولقوله تعالى " إن علينا جمعه وقرآنه . ثم إن علينا بيانه " .
تفسيرا لتوجيهات جبريل عليه السلام للرسول بوضع هذه السورة هنا وتلك هناك وهذه الآية هنا وتلك هناك .
موافقا لرأي فئة من القدماء .
دور العلماء والمؤسسة الدينية
لقد وفقني الله لاكتشاف ما يكفي من الأدلة على أن عدد أي القرآن 6236 آية , حصيلة سنوات من البحث والتدبر في ترتيب سور القرآن وآياته بعيدا عن أي رأي سابق , اللهم الاعتقاد أن القرآن محفوظ بتعهد من الله ولا بد أن يكون فيه ما يشير إلى هذه الحقيقة . وهنا انتهى دوري , والدور الآن هو دور العلماء المسلمين وأهل القرآن والمتحدثين عنه والمؤسسات الدينية التي تعنى بخدمة القرآن وعلومه , والذي أرى أن من واجبهم – بعد هذا البلاغ - أن يستمعوا إلى كل ما لدي , إنني على ثقة بأن ما لدي هو الصحيح وليس من حق أحد أن يرفضه ما لم يثبت عكس ذلك .. اللهم قد بلغت فاشهد